شبهات وهميَّة حول نبوَّة إرميا

قال المعترض: »جاء في نبوَّة إرميا 2:22 قول الله للأمة الإسرائيلية »وإن اغتسلتِ بنَطرون، وأكثرتِ لنفسكِ الإشْنان، فقد نُقش إثمك أمامي يقول السيد الرب«. ولكن إرميا ينصح هذه الأمة في أصحاح 4:14 بالقول: »اغسلي من الشر قلبَكِ يا أورشليم لكي تُخلَّصي« وهذا تناقض«.

وللرد نقول: يتحدَّث الرب في إرميا 2 عن التطهير الخارجي الطقسي الذي لا يصل إلى القلب، بينما الحاجة هي إلى تطهير جوَّاني يسمِّيه النبي »ختان القلب« (إرميا 4:4). وهذا التطهير الداخلي هو المطلوب في إرميا 4 والذي يحصل عليه الإنسان بالتوبة الصادقة، لا بالممارسات الدينية الطقسية الخارجية.  

قال المعترض: «الآية الواردة في إرميا 10:11 والتي تقول: »هكذا تقولون لهم: الآلهة التي لم تصنع السماوات والأرض تبيد من الأرض ومِن تحت هذه السماوات« ليست من كتابة النبي إرميا، بل أُضيفت في تاريخ لاحق، لأنها مكتوبة باللغة الكلدية».

وللرد نقول: وردت هذه الآية باللغة الكلدية، فحسبها المعترض أُضيفت بيد كاتب آخر، ولكن الحقيقة هي أن النبي إرميا أراد بالكتابة الكلدانية أن يعطي مواطنيه رداً باللغة الكلدية يجاوبون به الكلدانيين عُباد الوثن بلغتهم، ويدعونهم لعبادة الإله الواحد خالق السماوات والأرض.

اعتراض على إرميا 18:11 - هل الرب مصدر الشر؟

انظر تعليقنا على تثنية 32:4

قال المعترض: «نقرأ في إرميا 22:30 أن الملك كنياهو كان عقيماً، ولكن في 1أخبار 3:17-19 يذكر له عدَّة أبناء، أحدهم ورد ذكره في متى 1:12. وهذا تناقض».

وللرد نقول: (1) التعبير «اكتبوا هذا الرجل عقيماً« يتَّضح معناه في نفس الآية، في القول: «لا ينجح من نسله أحد جالساً على كرسي يهوذا». وهذا يعني أن عنده أولاداً، ولكن لن يخلفه أحدٌ منهم على العرش.

(2) وقد يكون أن كنياهو (أو يكنيا) كان هو نفسه عقيماً، لأنه سيق إلى السبي وعمره 18 سنة (2ملوك 24:8 و15) ولم يُطلَق حراً إلا في الخامسة والخمسين من عمره (2ملوك 25:27). وعلى هذا فالأسماء في 1أخبار 3:17-19 يكونون ورثته لا أولاده. وربما انتهى نسل سليمان بيكنيا (2ملوك 10:13 و14 و11:1). وبموت يكنيا بدأ نسل ناثان يرث العرش، وكان شألتئيل أول من تولَّى الحكم، وهو ابن أخيه وخليفته (1أخبار 3:18 و19). وهكذا يكون البشير متى قدَّم لنا سلسلة ورثة عرش داود، وقدَّم البشير لوقا لنا سلسلة النسب الطبيعية.

(3) فإن كان يكنيا عقيماً، وقد تبنَّى أبناءه، فلا يكون المسيح من نسله، وهكذا ينتهي اعتراض المعترض.

قال المعترض: «ورد في إرميا 25:1 و11 و12 «الكلام الذي صار إلى إرميا عن كل شعب يهوذا، في السنة الرابعة ليهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا، هي السنة الأولى لنبوخذنصَّر ملك بابل.. وتصير كل هذه الأرض خراباً ودَهَشاً، وتخدم هذه الشعوب ملك بابل سبعين سنة. ويكون عند تمام السبعين سنة أني أعاقب ملك بابل، وتلك الأمة يقول الرب على إثمهم، وأرض الكلدانيين، وأجعلها خِرباً أبدية». ولكن ورد في إرميا 29:1 و2 و10 «هذا كلام الرسالة التي أرسلها إرميا النبي من أورشليم إلى بقية شيوخ السبي، وإلى الكهنة والأنبياء، وإلى كل الشعب الذين سباهم نبوخذنصر من أورشليم إلى بابل: بعد خروج يكنيا الملك والملكة والخصيان ورؤساء يهوذا وأورشليم والنجارين والحدادين من أورشليم.. لأنه هكذا قال الرب: إني عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهَّدكم وأقيم لكم كلامي الصالح بِردِّكم إلى هذا الموضع». فيظهر من هذين الاقتباسين أمران: (1) مَلَكَ نبوخذنصر في السنة الرابعة من مُلك يهوياقيم، وهو الصحيح كما صرّح به المؤرخ يوسيفوس. (2) أرسل إرميا الرسالة بعد خروج يكنيا الملك ورؤساء يهوذا. ولكن إجلاء يكنيا الملك ورؤساء يهوذا والصناع كان قبل المسيح بستمائة سنة، وكان إرميا قد أرسل رسالته إليهم بعد خروجهم، فلابد أن تكون إقامة بني إسرائيل في بابل 70 سنة، وهو خطأ لأن كورش أطلقهم قبل الميلاد بنحو 536 سنة، فكانت إقامتهم في بابل 63 سنة. والجدول التاريخي في مرشد الطالبين يقول إن إرميا كتب إلى بني إسرائيل سنة 599 ق. م، وإطلاق كورش لليهود كان سنة 536 ق. م«.

وللرد نقول: (1) قال المؤرخون إن سبي يهوياكين الملك ورؤساء يهوذا والصناع كان سنة 599 ق. م، وأن كورش أمر برجوع بني إسرائيل من السبي سنة 536 ق. م، فتكون المدة بينهما 63 سنة. ولكن مُدَّة السبي تُحسب من سنة 606 ق. م، فقد أغار نبوخذنصر على أورشليم عدَّة مرات وحاصرها وسبى سكانها إلى بابل، وخرّب المدينة والهيكل، وكان ابتداء هذا الخراب من سنة 606-562 ق. م. ثم أتى كورش وأصدر أمراً برجوع بني إسرائيل في سنة 536 ق. م فتكون مدة السبي سبعين سنة، من سنة 606-536 ق. م. فإنه قبل أن يسبي نبوخذنصر الملك يهوياكين وعبيده ورؤساءه وخصيانه كما في 2ملوك 24:12-17 كان قد أذل أباه يهوياقيم، كما جاء في 2ملوك 24:1 «في أيام يهوياقيم (وهو أبو يهوياكين) صعد نبوخذنصر ملك بابل، فكان له يهوياقيم عبداً ثلاث سنين«. وكان هذا في سنة 606 ق. م. ومما يؤيد هذا ما ورد في دانيال 1:1-4 «في السنة الثالثة من مُلك يهوياقيم ملك يهوذا، ذهب نبوخذنصر ملك بابل إلى أورشليم وحاصرها. وسلّم الرب بيده يهوياقيم ملك يهوذا مع بعض آنية بيت الله، فجاء بها إلى أرض شنعار.. وأمر الملك أشفنز رئيس خصيانه أن يُحضِر من بني إسرائيل ومن نسل الملك ومن الشرفاء فتياناً لا عيب فيهم«. وهذا يبرهن أن نبوخذنصر سبى كثيرين من بني إسرائيل في عهد يهوياقيم.

(2) وقال البعض إنه يجوز أن نحسب السبي من تاريخ إحراق الهيكل إلى تاريخ تجديده، فكان إحراقه في سنة 588 ق. م، وكان تجديده في سنة 517 (يعني سبعين سنة بالتمام) وهو التاريخ الديني. فالتاريخ السياسي والتاريخ الديني متفقان أن مدة السبي هي 70 سنة.

اعتراض على إرميا 31:15 - بكاء راحيل

انظر تعليقنا على متى 2:17 و18

قال المعترض: «ورد في إرميا 31:31 و32 «ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر، حين نقضوا عهدي فرفضتهم، يقول الرب«. وهذا يعني أنّ شريعة المسيح ألغت شريعة موسى».

وللرد نقول: لو أن المعترض أورد الآيتين التاليتين لموضوع اعتراضه لاتَّضحت الأمور، فقد قال الله في آيتي 33 و34 «بل هذا هو العهد الذي أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب:  أجعل شريعتي في داخلهم، وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلهاً، وهم يكونون لي شعباً. ولا يعلّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين: اعرفوا الرب، لأنّهم كلّهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم، يقول الرب، لأني أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد». ومعنى هذا أنه مع أن الله أخرج بني إسرائيل من أرض مصر، وأنقذهم من يد فرعون، وأنزل لهم المنّ والسلوى في البرية، ونجّاهم من أعدائهم بيد قوية. إلا إنهم نكثوا عهده وزاغوا، فرفضهم. غير أنه يعطيهم وعداً جديداً بدم المسيح المعروف سابقاً، ويُظهِر رحمته ومحبته في الفادي الكريم الذي جاء لا لكي ينقض بل ليكمل وليخلِّص ما قد هلك، وينقذهم ويسكب روحه في قلوبهم، ويجعل شريعته في داخلهم حتى لا ينسوه كما نسيه آباؤهم. لا تفيد هذه العبارات نسخاً، وإنما ذكّرهم الله بمراحمه. ومع أنهم عصوه، وعدهم بالفداء وملء روحه القدوس لهم لإنارة عقولهم حتى يعرف الكبير والصغير إرادته.

اعتراض على إرميا 31:34 - الدينونة والغفران

انظر تعليقنا على جامعة 12:14

اعتراض على إرميا 34:3 - هل رأت عينا الملك صدقيا ملك بابل؟

انظر تعليقنا على 2ملوك 25:7

قال المعترض: «جاء في إرميا 35:2 أن الرب أمر إرميا «اذهب إلى بيت الركابيين وكلّمهم، وادخل بهم إلى بيت الرب إلى أحد المخادع، واسقِهم خمراً». وهذا يناقض أوامر الرب في شريعة النذير بعدم شرب الخمر، كما جاء في لوقا 1:15».

وللرد نقول: المقصود من أمر الرب لإرميا، لا أن يسقي الركابيين خمراً، عصياناً لوصية والدهم الذي أوصاهم بعدم شرب الخمر (وقد أطاعوه) بل أن يُظهِر طاعتهم لأبيهم. فعندما يدعوهم لشرب الخمر يرفضون دعوته. وكان الله يعلم مدى طاعة الركابيين لوالدهم ووصاياه، كما كان يعلم عصيان بني إسرائيل له. وأراد الله أن يعلّم بني إسرائيل درساً في الطاعة. وهذا يشبه أمر الله لإبراهيم أن يذبح ولده، فلم يكن المقصود من ذلك ذبح الابن، بل إظهار طاعة إبراهيم، الذي كان يحب الله أكثر من حبّه لابنه. وكان الله يعلم ذلك، لكنه أراد أن يعلنه ويوضحه، ليكون درساً للذين يطيعون الله وللذين يعصونه.

قال المعترض: »جاء في إرميا 43:8-13 أن إرميا تنبأ أن نبوخذنصر ملك بابل سيغزو مصر، ولكن لا يوجد أي برهان تاريخي على أن هذه النبوَّة قد تحققت«.

وللرد نقول: إلى وقت قريب كان يوسيفوس المؤرخ اليهودي هو الوحيد المعروف لنا، والذي ذكر أن نبوخذنصر غزا مصر. ورفض العلماء ما قاله يوسيفوس بحُجَّة أنه كتب ما كتب ليؤيد أقوال النبي إرميا. ولكن علماء الآثار اكتشفوا شهادة مؤرخ بابلي ترجع إلى عام 567 ق م تؤكد أن نبوخذنصر غزا مصر، ثم اكتشفوا نقشاً على تمثال نسحور حاكم مصر العليا يؤيد الخبر نفسه. صدقت نبوَّة إرميا، وصدق تحقيقها.

قال المعترض: »جاء في إرميا 46:2 أن الملك نبوخذنصر هاجم أورشليم في السنة الرابعة لمُلك الملك يهوياقيم، ولكن دانيال 1:1 يقول إن الهجوم كان في السنة الثالثة من مُلك يهوياقيم«.

وللرد نقول: التأريخان صحيحان، وسبب التناقض الظاهري أن النبي إرميا استخدم التقويم الأشوري، الذي هو تقويم الغُزاة، والذي كان يعتبر شهر نيسان (تقريباً شهر أبريل) أول شهور السنة، بينما استخدم النبي دانيال التقويم اليهودي، والذي كان يعتبر شهر تشري (تقريباً شهر أكتوبر) أول شهور السنة. وقد تولى يهوياقيم المُلك في شهر تشري سنة 609 ق م، وكانوا يحسبون بداية مُلك الملك من أول يوم في السنة الجديدة. ولما كان يهوياقيم قد تولى الحكم بعد بداية السنة بأيام قليلة، فقد حسب إرميا مُلكه من أول نيسان، وذلك بعد بضعة شهور من مُلكه الفعلي، بينما حسب دانيال مُلك يهوياقيم من أول تشري، وذلك بعد نحو سنة من مُلكه الفعلي. وقد غزا نبوخذنصر أورشليم عام 605 ق م بين شهري نيسان وتشري، فيكون ذلك في السنة الرابعة من حكم يهوياقيم بحسب تأريخ إرميا، وفي السنة الثالثة بحسب تأريخ دانيال.

قال المعترض: «الأصحاح الثاني والخمسون أُلحق بنبوَّة إرميا لأن السفر ينتهي بنهاية الأصحاح الحادي والخمسين، والذي ينتهي بالقول »إلى هنا كلام إرميا«.

وللرد نقول: واضح من العبارة «إلى هنا كلام إرميا» أن الأصحاح الثاني والخمسين من إضافة نبي آخر، ولا نفرِّق بين الأنبياء الذين أوحى الله لهم. وأصحاح 52 مقدمةٌ لمراثي إرميا، السِّفر الذي يلي نبوَّة إرميا مباشرةً، وأُخِذ أغلب أصحاح 52 من سفر الملوك الثاني أصحاحي 24 و25. وهو يوضح تحقيق النبوات التي تنبأ بها إرميا عن خراب مملكة بني إسرائيل وهيكلهم، الأمر الذي يبكي عليه سفر المراثي.

اعتراض على إرميا 52:28 - عدد المسبيين

انظر تعليقنا على 2ملوك 24:14

الفصل التالي    الفصل السابق


شُبهات وهميَّة حول الكتاب المقدس

كتب أخرى

الرد على الإسلام