شبهات وهميَّة حول نبوَّة دانيال

قال المعترض: »جاء في الآية الأولى من نبوَّة دانيال »في السنة الثالثة من مُلك يهوياقيم ملك يهوذا« مما يبيِّن أن النبي دانيال كتب سفره في القرن السادس قبل الميلاد. ولكن السفر يحتوي على معلومات واسعة وكثيرة عن ممالك العالم من حكم نبوخذنصَّر نحو 605 ق م إلى حكم الإمبراطورية الرومانية الذي بدأ في عام 241 ق م، واستمر إلى أن استولى بومبي على أرض الميعاد عام 63 ق م. فلا يمكن أن يكون دانيال هو كاتب السفر«.

وللرد نقول: يحتوي سفر دانيال على نبوات عظيمة، بدأ تحقيقها في عصره، وامتد تحقيقها إلى مئات السنين بعد زمنه. ويحتوي الأصحاح 11 من نبوته على نبوات تفصيلية تمتد من حُكم كورش العظيم إلى عصر المسيح الدجال، الذي هو ضد المسيح، في نهاية الدهر الحاضر، وإلى الأبدية. وتنبّؤ دانيال بالآتيات دقيق جداً حتى يحسبه القارئ رواية تاريخية سجَّلها شاهد عيان! ولكن دانيال سجل هذه النبوات التفصيلية قبل حدوثها بمئات السنين. وقد قال الكافرون بالنبوات إن دانيال لا يمكن أن يكون كاتب السفر، بل كتبه غيره بعده وعزاه إليه، ولكن المؤمنين الذين يؤمنون بعلم الله السابق وإعلانه الصحيح لعبيده الأنبياء يدركون أن الله أنبأ على لسان عبده دانيال بكل ما سجَّل في سفره من أمور مستقبلية.

اعتراض على دانيال 1:1 - متى هاجم نبوخذنصَّر أورشليم؟

انظر تعليقنا على إرميا 46:2

قال المعترض: «جاء في دانيال 1:21 أن دانيال بقي إلى السنة الأولى لكورش الملك، ولكننا نجد دانيال لا يزال موجوداً حتى السنة الثالثة لكورش كما يظهر من دانيال 10:1».

وللرد نقول: ظل دانيال في موضع المسئولية والحكم حتى السنة الأولى من حكم الملك كورش، وعرف باستجابة صلاته إذ أصدر كورش الأمر بعودة بني إسرائيل إلى أرضهم. ثم عاش سنتين بعد صدور أمر كورش في بابل، في التقاعد، حتى مات.

قال المعترض: «جاء في دانيال 2:48 أن شهرة دانيال كانت عظيمة في مملكة بابل، ولكننا لا نجد له ذكراً في دانيال 3:12 عندما رفض أصحابه الثلاثة السجود لتمثال الذهب».

وللرد نقول: الأغلب أن دانيال كان غائباً عن العاصمة في عمل يتعلق بالدولة، وحدثت أزمة السجود للتمثال أثناء سفره خارج العاصمة.

قال المعترض: «غناء الفتيان الثلاثة في أصحاح 3 من نبوَّة دانيال، وأصحاحي 13 و14 منه يعتقد بها الكاثوليك، وهي مرفوضة عند اليهود والبروتستانت. ثم إن ثيودوشن (الذي ترجم التوراة إلى اللغة اليونانية) أدرج بين آيتي 23 و24 من الأصحاح الثالث ترنيمة الفتيان الثلاثة، وأدرج قصة سوسنة والتنين في أصحاحي 13 و14 وحذت حذوه الترجمة اللاتينية».

وللرد نقول: لم يحتوِ الأصل العبري للتوراة على الأجزاء التي أشار إليها المعترض، ولا يوجد أدنى دليل على أنها كُتبت باللغة العبرية أو الكلدية. وما كان يجب أن المعترض يعوِّل على الترجمات، بل على التوراة العبرية الأصلية التي حافظ بنو إسرائيل عليها، فهي الحَكَم الفصل. فإذا ترجم أحد العارفين باللغات الشرقية كتاباً إلى إحدى اللغات الغربية، ثم أضاف عباراتٍ أو قصصاً ليست في الأصل، فليس من حقه أن يضيف، وإضافته هذه لا تُخلّ بالكتاب الأصلي في شيء، لأن الأصل محفوظ عند أهله. وقد كانت نُسَخ التوراة منتشرة، فإذا تصرّف مترجم في الترجمة انكشف أمره.. فلا عجب إذا قام إيرونيموس أحد العلماء ورفض كل ما كان زائداً على الأصل العبري، وقال إنها خرافة. وقد رفض كثيرون من العلماء المسيحيين الفصول التي أشار إليها المعترض، ومنهم يوليوس الإفريقي ويوسابيوس وأبوليناريوس، وقالوا إنها من الخزعبلات، ونحا هذا النحو إيراسموس وغيره من العلماء المتأخرين.

راجع تعليقنا على الأبوكريفا في القسم الأول من هذا الكتاب.

قال المعترض: »جاء في دانيال 5:1 أن آخر ملوك بابل هو بَيْلشاصَّر، ولكننا لا نجد أثراً لصاحب هذا الاسم في التاريخ البابلي ولا اليوناني، وهذان التاريخان يسجلان أن آخر الملوك البابليين هو نابونيدُس«.

وللرد نقول: أثبتت الاكتشافات الأثرية والحفريات الحديثة أن بيلشاصر كان قائماً مقام الملك نابونيدُس. وقد حكم نابونيدس من سنة 556 إلى 539 ق م. وفي السنة الثالثة من حكمه (553 ق م) ترك بابل وسافر في رحلة طويلة، تاركاً مقاليد الحكم لابنه البكر بيلشاصر. وعندما هزم كورش مملكة بابل كان نابونيدس في »تيما« شمال شبه الجزيرة العربية. والدليل من نبوَّة دانيال على أن بيلشاصر كان قائماً مقام الملك أنه في وقت حيرته دخلت إليه الملكة، زوجة الملك نابونيدُس، وأشارت عليه أن يستدعي دانيال ليقرأ له الكتابة الأعجمية على الحائط، ولم تدخل زوجة بيلشاصر لأنها لم تكن الملكة.

قال المعترض: »جاء في دانيال 5:31 أن داريوس المادي أخذ المملكة من بيلشاصر، وعمره 62 سنة. ولكن العلماء المعاصرين يقولون إنهم لا يجدون لداريوس المادي أثراً في كتابات المؤرخين«.

وللرد نقول: كما قلنا في تعليقنا على دانيال 5:1 إن دانيال سجَّل اسماً حقيقياً، نقول مرة أخرى إن الاكتشافات والحفريات الحديثة أثبتت صحة ما قاله النبي دانيال، فهناك داريوس المادي، وداريوس الفارسي، المعروف بداريوس الأول والذي حكم من 521-486 ق م. وكان كورش العظيم قد أناب عنه داريوس المادي في حكم كل مملكة بابل.

قال المعترض: «ورد في دانيال 8:13 و14 «فسمعتُ قدوساً واحداً يتكلم، فقال قدوسٌ واحدٌ لفلانٍ المتكلم:  إلى متى الرؤيا من جهة المحرقة الدائمة ومعصية الخراب لبذل القدس والجند مدوسين؟ فقال لي: إلى 2300 صباح ومساء، فيتبرأ القدس». وجميع مفسري التوراة من يهود ومسيحيين ومعهم يوسيفوس مضطربون في تفسير هاتين الآيتين، وفسَّره بعضهم بحادثة أنطيوخوس أبيفانيس (عام 161 ق م) الذي ولاه الرومان على أورشليم. ونحن نعترض على أن أنطيوخوس داس القدس ثلاث سنين ونصف، كما قال يوسيفوس، فإن الـ2300 يوماً هنا هي أيام تتكوَّن من 24 ساعة. ولكن النبي دانيال يقول أن أنطيوخوس سيدوس القدس مدة ست سنين وثلاثة أشهر وتسعة عشر يوماً».

وللرد نقول: قال يوسيفوس (الكتاب 12 ف 7) إن المدة التي توقفت فيها العبادة اليهودية في الهيكل هي ثلاث سنين بالتمام. ولكنه قال في كلامه عن الحروب اليهودية (الكتاب 1 ف 1) إن أنطيوخوس ألغى تقديم ذبيحة الكفارة اليومية مدة ثلاث سنين وستة أشهر. ويرجع سبب تناقض أقوال يوسيفوس إلى أن أنطيوخوس أهان العبادة اليهودية بمنكرات جمَّة، فأرَّخ يوسيفوس بدءاً من إحدى هذه الكوارث، ثم بدا له أن كارثة أخرى جديرة بأن تكون بدء مظالمه، فيؤرخ منها. ولكن دانيال النبي راعى في النبوات كل مظالمه من أولها إلى آخرها، والدليل على ذلك أنه لم يقتصر على ذِكر تعطيل المحرقة الدائمة، بل قال أيضاً «ومعصية الخراب». ولا شك أنه حصلت حوادث جمّة في تاريخ أنطيوخوس يجوز أن يُحسب منها مدة معصية الخراب وإزالة المحرقة الدائمة، فقد عيَّن ياسون رئيس كهنة في سنة 171 ق.م فتوقفت الذبيحة الدائمة. وياسون هو أخ أونياس الذي أدخل في أورشليم عادات اليونان وألعابهم وخلاعتهم، ولم ينل رتبة رئيس الكهنة إلا بالدسائس، وتعهّد للملك أن يدفع له 360 وزنة فضة إذا صرّح له بإنشاء مكان لتعليم شبان بني إسرائيل عادات الوثنيين وتسميتهم بالأنطوخيين، فأذن له بذلك. فازدرت الكهنة بهيكل الله وذبائحه، وبادروا إلى الألعاب اليونانية وفضّلوها على غيرها. فهذه حادثة مهمة يجوز أن يُحسب منها تعطيل المحرقة ومعصية الخراب. (انظر بريدو 3:216 و1مكابيين 1:11-15) فإذا حُسبت نبوَّة دانيال من هذه الحادثة، كانت المدة ست سنين وثلاثة أشهر وعشرين يوماً بالتمام والكمال، لأن مبدأها 5 أغسطس سنة 171، وانتهاؤها وهو إعادة العبادة الحقيقية في 25 ديسمبر سنة 165 ق.م (انظر بريدو 3:265-268).

وقد أشار النبي دانيال إلى هذا الوقت بكل دقة، كما يفعل المؤرخ الصادق.

قال المعترض: «ورد في دانيال 9:24-26 «سبعون أسبوعاً قُضِيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم، وليُؤتَى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوَّة، ولمسْح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع و 62 أسبوعاً. وبعد 62 أسبوعاً يُقطَعُ المسيح، وليس له». وهذا لا يصدق على المسيحيين، لأنهم لم يكونوا موجودين، لأن المسيح لم يكن قد جاء. وقد مضى أزيد من ألفي سنة على المدة المذكورة. وتفسيرات علماء المسيحية مرفوضة لأن تفسير اليوم بمعنى أنه أسبوع يتعارض مع القرينة».

وللرد نقول: (1) معنى كلمة »أسبوع« في اللغة العبرية سبعة آحاد، وهناك كلمة عبرية أخرى معناها سبعة أيام. وإذا سُئل: ما هي القرينة الدالة على أن المعنى المقصود بكلمة الأسبوع هنا سبعة؟  قلنا: إن دانيال كان يتأمل في مدة السبي، وهي سبعون سنة، فأخذ يصلي ليعرف منتهى الأمر، كما يظهر من هذا الأصحاح. فأتى جبرائيل الملاك وقال إنه يلزم للحادثة المهمة ليس سبعين سنة بل سبعين أسبوعاً، أي سبعين سنة في سبعة. فإن التأمل كان في السنوات السبعين، وهي قرينة توضح المعنى.

(2) والأسبوع في اللغة العربية يمكن أن يكون بمعنى سبعة. قال الليث: «الأسبوع من الطواف ونحوه سبعة أطواف». وإذا أرادوا تخصيصها قالوا الأسبوع من الأيام أمام سبعة أيام كما في كتب اللغة العربية (انظر لسان العرب ج 10 ص 8 وسطر 16) وورد في المصباح: «الأسبوع من الطواف بضم الهمزة سبع طوفات، والجمع أسبوعات وأسابيع.. والأسبوع من الأيام سبعة أيام، وجمعه أسابيع». فانظر كيف قيّد الأسبوع بقوله:  والأسبوع من الأيام.

(3) معنى قوله «تكميل المعصية وتتميم الخطايا« (دانيال 9:24) هو تكميل ذبيحتي الخطية والمعصية. ولكلمة »تكميل« في العبرية معنى آخر، هو »سَتْر«، فالخطية التي كانت مكشوفة وعريانة أمام الله البار القدوس، أصبحت الآن برحمته مستورة. وكلمة «تتميم الخطايا« هي في الأصل بمعنى ختم الخطايا وحبسها، فإنه لما كان النبي دانيال متحيراً ومتفكراً في خطية شعبه وكيف يغفرها الله لهم، أجابه الله بقوله إنه بعد 70 أسبوعاً من السنين يهيئ الله كفارة كافية عن الخطية، فتظهر عدالته وحكمته الفائقتين في أنه يسامح الخاطئ التائب، دون أن يضحي بعدالته. فالمسيح صار كفارة عن آثامنا كما قال النبي هنا. وقد كنا نستوجب القصاص في جهنم النار إلى الأبد، ولكنه احتمل في جسده خطايانا وصُلب لأجل آثامنا، فتبرَّرنا ببره. وهذا هو معنى قوله: «يُؤتَى بالبر الأبدي». فعندما يؤمن الخاطئ بالمسيح تُستَر خطاياه ويقف مبرَّراً أمام الله.

(3) وقد وردت قولة «لمسْح قدوس القدوسين« (دانيال 9:24) في الكتاب المقدس على »قدس أقداس الهيكل« نحو 28 مرة (خروج 26:32 و34 و29:37 و30:29 و36 وغيره) الذي يرمز إلى عمل المسيح، لأنه يبني هيكل الرب (زكريا 6:12، 13). فاستُخدمت التعبيرات المستعملة في العهد القديم لتدل على أعمال الإنجيل، كقوله: «أنتم هيكل الله الحيّ، كما قال الله سأسكن فيهم وأسير بينهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لي شعباً» (2كورنثوس 6:16). فالمراد بقوله «قدوس القدوسين« هو الكنيسة المسيحية، والمراد بقوله «ولمسْحها« انسكاب الروح القدس، كما حدث في يوم الخمسين (أعمال 2). فهذا هو معنى هذه الآية بغير تكلّف ولا تعسّف.

قال المعترض: «ما جاء في دانيال 9:24-26 لا يصدق على المسيحيين، لأن يوسيفوس يقول إنه قد مضت 600 سنة بين إطلاق كورش لبني إسرائيل ليرجعوا إلى بلادهم (عزرا 1) وولادة المسيح. وجاء في كتاب »مرشد الطالبين« (جزء 2 فصل 20) أن رجوع بني إسرائيل من السبي وتجديدهم الذبائح في الهيكل، كان سنة أطلقهم كورش، وهي 536 ق.م، مع أن سبعين أسبوعاً هي 490 سنة، فمن الواضح أن المقصود هنا ليس هو مسيح بني إسرائيل«.

وللرد نقول: أصدر كورش أمراً ببناء الهيكل فقط، ولكنه لم يصدر أمراً ببناء أورشليم. وقد فرَّق النبي دانيال بين الأمرين، لأن كورش، رغبةً منه في رضى الآلهة، سمح بإعادة بناء الهيكل. ولكنه لم يسمع بإعادة بناء أسوار أورشليم وحصونها لئلا تثور عليه. واعتُبر بناء الهيكل نهاية سنوات السبي السبعين. وأورد عزرا 1:2، 3 نصَّ أمر الملك: «هكذا قال كورش ملك فارس: جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا. مَنْ منكم مِن كل شعبه ليكنْ إلهه معه ويصعد إلى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل. هو الإله الذي في أورشليم». ولم يذكر في أمره كلمة عن بناء أورشليم. ولكن تمَّ بناء أورشليم في عهد ملكٍ آخر هو  أرتحششتا لونجيمانوس، الذي بدأ حكمه سنة 464 ق.م وحكم 40 سنة وثلاثة أشهر، وفي عهده تولى نحميا حُكم اليهودية. وكان نحميا أولاً ساقي الملك أرتحششتا عندما بلغته أخبار بني إسرائيل التعيسة فاغتمّ. ولاحظ الملك ما به من الكمد، ولما عرف منه سبب ذلك عيّنه والياً على اليهودية، وفوّض له تحسين أورشليم وأعطاه أمراً ملكياً بذلك. وبناءً على ذلك سافر نحميا إلى اليهودية ومعه ضباط وجنود وفرسان. فهذا هو الأمر الملكي الذي يوافق أقوال النبي دانيال. وأجمع المؤرخون على أن صدور الأمر ببناء أورشليم كان في السنة العشرين من حكم أرتحششتا، ولكنهم اختلفوا بعض الاختلاف في ابتداء حكمه. فحقق العلاّمة هنجستنبرج أنه كان سنة 474 ق.م، وعليه تكون السنة العشرون من أرتحششتا هي سنة 454 ق.م. فإذا طرحنا هذه المدة من حاصل ضرب 69 أسبوعاً في 7، (وهي المدة التي قال عنها النبي دانيال في 9:25) كان الباقي 29 سنة ميلادية، وهي سنة بداية خدمة المسيح العلنية.

وبيان ذلك أن النبي دانيال قسّم السبعين أسبوعاً إلى ثلاثة أقسام:

(1) القسم الأول: سبعة أسابيع (أي 49 سنة) وهو مدة تجديد أورشليم وبنائها. وقد صرف نحميا هذه المدة في بناء أورشليم، ثم نظم أحوال بني إسرائيل، وكان ذلك في السنة 49 من صدور أمر أرتحششتا (سنة 454 ق.م) وكان نحميا قد تعيّن والياً على اليهودية مرتين: وكانت مدة ولايته الأولى 12 سنة. وفي سنة 32 رجع إلى أرتحششتا، ثم استأذن من الملك ليرجع إلى أورشليم (نحميا 13:6 و7) فصرّح له. وقد عمَّر نحميا طويلاً. فإذا كان عمره لما شرع في تجديد أورشليم 30 سنة، وصرف 49 سنة في بنائها، يكون قد عاش 79 سنة، وقد قال المؤرخ يوسيفوس إنه كان هَرِماً.

(2) القسم الثاني: وهو 62 أسبوع×7 =434 سنة، من تجديد الهيكل إلى مجيء المسيح. فيكون صدور الأمر بتجديد أورشليم إلى مجيء المسيح 483 سنة. وقلنا إن بدء حكم أرتحششتا كان في سنة 474 ق.م. وبما أنه أصدر الأمر في السنة العشرين، فيكون التاريخ سنة 454 ق.م. فإذا طرحناه من 483 سنة كان 29 سنة ميلادية، وهي سنة دعوة المسيح للناس إلى طريق الخلاص. وقد راعى النبي دانيال هذه النقطة المقصودة بالذات.

(3) القسم الثالث: هو الأسبوع. قال النبي إن المسيح يُقطع في وسط هذا الأسبوع، وليس لأجل نفسه، بل لأجل غيره. ومَنْ يتأمل إنجيل يوحنا يجد أن مدة دعوة المسيح وخدمته هي ثلاث سنين ونصف. ولما قدم نفسه ذبيحة بطلت من ذلك الوقت الذبائح الأخرى، التي لم تكن لها قوّة في حد ذاتها، وكانت رمزاً إلى ذبيحة المسيح، فزالت قوتها كما قال النبي.

أم »رِجس المخرَّب« الذي تحدث عنه النبي دانيال (11:31 و12:11) فقد قال المؤرخ يوسيفوس إنه يصف دخول الرومان الهيكل المقدس بأعلامهم، ووضعوها على البوابة الشرقية وقدموا لها الذبائح. فاعتبر بنو إسرائيل هذا رجسة الخراب.

ومن هذا يتَّضح:

(1) لم يُحمل اليوم على المعنى المجازي، كما ادّعى المعترض، لأن معنى الأسبوع لغةً هو سبعة.

(2) كان النبي دانيال يتأمل في السبعين سنة، مدة سبي بني إسرائيل، فقال له الملاك: «سبعين أسبوعاً».

(3) لا يجوز  أن نحسب بدء مدة 490 من صدور أمر كورش، فقد كان أمره قاصراً على تجديد الهيكل. وقال النبي دانيال: «من وقت تجديد المدينة وبنائها« ولم يذكر الهيكل. ومن وقت تجديد المدينة وبنائها إلى مجيء المسيح هو 490 سنة بالتمام والكمال.

اعتراض على دانيال 10:1 - هل عاش دانيال إلى أن رأى كورش الفارسي؟

انظر تعليقنا على دانيال 1:21

قال المعترض: «ورد في دانيال 12:11 و12 «ومن وقت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رِجْس المخرَّب 1290 يوماً. طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى 1335 يوماً». وهو خطأ، كما قلنا في تعليقنا على دانيال 8:13. ولم يظهر في هذا الميعاد مسيح النصارى ولا مسيح اليهود».

وللرد نقول: الحديث في هاتين الآيتين عن أنطيوخوس أبيفانيس. وقد بدأت إزالة المحرقة الدائمة وإقامة رجس المخرَّب وقت استيلاء أنطيوخوس على أورشليم بواسطة أبولونيوس أحد رؤساء جيشه، وإزالة الذبائح من الهيكل. وبعد أن شرح مؤلف كتاب المكابيين الأول كيفية استيلاء أبولونيوس على أورشليم في سنة 168 ق.م قال إن عساكر أنطيوخوس سفكوا الدم البريء حول الهيكل، ودنّسوا المقدس. وهرب سكان أورشليم وأصبح المقدس خرباً، وانقلبت أعياد أورشليم وأفراحها إلى أحزان وسبوتها إلى عار (1مكابيين 1:37-39) ووضع تمثال «المشترى« في الهيكل. وقال المؤرخ يوسيفوس إن الذبائح اليومية أُبطلت مدة ثلاث سنين ونصف، وهي قدر المدة التي أشار إليها النبي دانيال، ولكنها تنقص 11 يوماً، فإن 1290 يوماً هي ثلاث سنين ونصف، و11 يوماً. وعبارة النبي أدق لأنها موحى بها من الله الذي بيده الأوقات، وهو يعلم الدقائق. والمؤرخ الدنيوي لا يبالي بمثل هذه الدقة في الحساب.

قال المعترض: «لماذا كرّر النبي (12:11 و12) ذكر الـ2300 يوماً التي سبق أن ذكرها في أصحاح 8:14؟«.

وللرد نقول: الإعادة للتأكيد والتنبير، كما كان المسيح يقول »الحق الحق أقول لكم«. وقد أضاف إليها قوله: «طوبى لمن ينتظر ويبلغ إلى 1335 يوماً« وقد أيَّد التاريخ هذه النبوَّة، ففي أواخر سنة 165 أو أوائل سنة 164 ق.م سمع أنطيوخوس أبيفانيس بحصول ثورات واضطرابات في بلاد الأرمن والفرس، فتوجه إليهما بفرقة من جيشه، وأرسل فرقة أخرى إلى فلسطين، فانتصر بعض النصر. ولكنه حاول نهب الأموال التي كانت في هيكل ديانا الفارسي في «سلاميس« فقام الأهالي عليه جملة واحدة وطردوه من المدينة، فالتجأ إلى «أكباتانا». وهناك بلغه أن يهوذا المكابي هزم عساكره في فلسطين، وأن بني إسرائيل حصَّنوا هيكلهم بأسوار منيعة. فاستشاط غيظه على بنو إسرائيل وجدّف على إلههم وهدَّد بأن يجعل أورشليم مدفناً لليهود. وفي طريقه إليهم وقع من عربته، ثم مرض في أمعائه ومات في شهر فبراير سنة 164 ق.م. فإذا كان بدء مدة الـ1335 يوماً هي ذات بدء الـ 1290 يوماً، فيكون منتهى 1335 يوماً هو موت أنطيوخوس.

الفصل التالي    الفصل السابق


شُبهات وهميَّة حول الكتاب المقدس

كتب أخرى

الرد على الإسلام